بقلم: د. محمد فاروق النبهان
بعد أحداث 11سبتمبر 2001 م بدأت الأحداث تتلاحق، و العواصف تهب على منطقة الشرق الأوسط وبخاصة في المشرق العربي، حيث كانت الغيوم تتجمع في السماء، لاأحد يرى ماذا سيكون، هل ستنزل أمطار الرحمة لتسقي الأرض والإنسان، أم أن صواريخ الغدر والانتقام سوف تغرق الأرض بالدماء وتنشر الفتنة وتبشر الناس بالذل والموت.
كنت أنتقل بين المغرب وسوريا، أطوف على بعض العواصم العربية، القاهرة والرياض وطهران والكويت ومنطقة الخليج العربي، وقبل أحداث سبتمبر زرت أمريكا ورأيت الإسلام هناك ينتشر بين سكانها ويتساءل الناس عن تعاليمه وأسرار قوته، ويجدون فيه قيما إنسانية راقية وأمنا روحيا وطمأنينة، رأيت المساجد عامرة بمؤمنين صادقين، ورأيت مسلمين حقا في فكرهم وثقافتهم وسلوكهم..
وفجأة بدأت العاصفة تهب بقوة، وانتشر الخوف والرعب، وبدأ الغرب يرفع شعاراته التاريخية ويعلن الحرب الصليبية المقدسة ضد الإسلام، قيما وثقافة، إنهم يريدون إسلاما مسالما ومستسلما ومتجاوبا وقابلا للاندماج في حضارة الغرب، ومعترفا بشرعية التدخل الخارجي في شؤون العالم الإسلامي..
وأصبحت كلمة الأصولية الإسلامية كلمة مخيفة ومنذرة، ومرادفة لكلمة الإرهاب والعنف والقتل، وابتدأت الخلايا النائمة في أحياء البؤس والإحباط تستيقظ وتحمل سلاحها للدفاع عن ذاتها، وأصبحت عروش السلطة تهتز وترتجف وتتراجع وتقدم تنازلات مخجلة ومتلاحقة للحفاظ على وجودها واستمرارها.
لم تعد لفظة الإصلاح السياسي لفظة مستهجنة ومستقبحة كما كان الأمر من قبل، كان الإعلام يخاف من إطلاقها، وكانت السجون مكتظة بدعاتها وأصبح الجميع يردها ويعلن التزامه بها ويبالغ في تقديسها، وكأنها أصبحت سفينة النجاة لأنظمة أذلت شعوبها بتجاهلها لإرادتهم وقمعها لكل طموحاتهم..
ورفعت أمريكا شعارات الديمقراطية والإصلاح السياسي وحقوق المرأة، وهي مطالب شعبية قديمة، ولكن لماذا كانت متجاهلة ومتجاوزة من قبل، وكيف صحت أمريكا فجأة على هذه الظاهرة وهي التي كانت تحمي أنظمة الاستبداد لتواجه إرادة الشعوب في الحرية والديمقراطية…
ووقفت حائرا ومترددا أرقب ما يجري على الساحة، ذلك المشهد الدامي يؤلمني ويخيفني، كنت أكتب ما أرى وأتحدث في مجالس العامة عن هذا المشهد وسرعان ما أمزق ما كتبت، وأتردد في حكمي على الأشياء… وأصبحت كلمة “لكن” مرادفة لكل كلمة وفكرة..
ما يمكن أن يقترف باسم الإسلام من جرائم العنف وقتل الأبرياء لا يمكن أن يكون مقبولا بأي حال من الأحوال، وهذا سلوك لا يرتضيه الشرع ولا يقره العقل ولا يحقق مصلحة وهو مخالف لكل القيم الأخلاقية والإنسانية..
ولكن…وهذا هو الاستدراك الواجب الذي لا يمكن إغفاله،
– لماذا يفعل هؤلاء ما يفعلون من هذه السلوكيات؟
– ماذا يريدون وما الذي دفعهم إلى هذه السلوكيات؟
– هل يدافعون عن قضية مشروعة؟
– هل هؤلاء هم منشئون لحركتهم، أو أنهم محركون من غيرهم ولا يدرون…؟
كنت أطرح على نفسي هده التساؤلات في حواري الداخلي مع ذاتي، والتمس الجواب من داخلي بطريقة هامسة غير مسموعة، فلقد اعتاد شعبنا أن يخاف إذا تكلم، فهناك من يقف على الأبواب ينصت لما يحدث به المواطن نفسه، إن حالة الرعب أنشأت في مجتمعنا حالة نفسية مرضية من عدم المبالاة وانعدام المسؤولية..
لقد أصبحت الأوطان ملكا شخصيا للأنظمة السياسية والأحزاب الحاكمة، وكان هؤلاء هم ورثة الأولين والأوصياء على العباد والأموال والمصالح، حتى إن الدين أصبح مغتصبا يتحكم هؤلاء فيه من خلال رموزه ورجاله الذين استجأرتهم السلطة ليدافعوا عن سياستها والترويج لمواقفها..
نريد الإصلاح السياسي والاجتماعي كمطلب شعبي لكي يشعر المواطن بانتمائه الوطني، ولكي يدافع عن هذا الوطن الدافئ الذي يحتضن أبناءه في الليالي الشتوية الباردة..
نريد الإصلاح الديمقراطي لا كمطلب لأعداء هذه الأمة، ولكن لأنه هو الطريق الوحيد لإشراك أبناء الأمة في الدفاع عن قدسية أرضهم واستقلال بلدهم..
ولابد من تحرير الدين من قبضة الأوصياء عليه، الذين يستخدمونه كسلاح لتشويه قيمه وتزييف مفاهيمه واستغلاله كأداة لإقناع العامة بقبول طاعة ولي الأمر وعدم الخروج عليه، لتحقيق الاستقرار الاجتماعي، وأي استقرار هذا الذي يحققه الظلم ويقود إليه الاستبداد، هل هو الاستقرار الناتج عن الخوف، أم استقرار الطمأنينة الذي يقود إليه العدل الاجتماعي وتحققه الحرية والديمقراطية…
….
- المصدر: موقع د. محمد فاروق النبهان
- 2014/02/10