إلى إخوتنا وأخواتنا الصامدين في سوريا
د. طارق سويدان
الحمد لله الذي قال: {إن ينصركم الله فلا غالب لكم} (آل عمران: 160).
أهنئكم من أعماق قلبي بثورتكم المباركة، التي هي تجسيد لوعد الله تعالى بنصرة المظلومين، ووعد الاستخلاف في الأرض، وأعتذر عن تأخري في التهنئة، فقد كنت في ظروف خاصة منعتني من ذلك، ومع ذلك، لم تغيبوا عن دعائي وقلبي وعقلي، وفرحتي العارمة بالفتح المبين، وسعادتي الكبيرة عندما أرى فرحتكم بهذا التغيير العظيم.
نصر من الله وفتح مبين:
لقد شهد العالم بأسره انتصاركم العظيم على الظلم والطغيان، وهو انتصارٌ لا يمكن تفسيره إلا بتدخل إلهيٍ من جبار السماوات والأرض، نصرةً للمظلومين الذين التزموا بدين الله عز وجل واستمسكوا بحبله المتين.
إن الانهيار المفاجئ للجيش الذي ظنّه الطغاة عصياً على الهزيمة هو تذكيرٌ بقدرة الله الذي قال: {كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين} (البقرة: 249). وكما وعد الله في كتابه، فإن نصره قريب للمظلومين: {إن الله يدافع عن الذين آمنوا} (الحج: 38).
إن هذا الانتصار ليس مجرد حدث سياسي، بل هو درسٌ خالد في التاريخ بأن الله سبحانه ينصر من نصره، ويخذل الظالمين مهما بلغت قوتهم. قال الإمام ابن القيم رحمه الله:
“إن الله يمهل للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته.
الوحدة سر النجاح:
قال تعالى: {ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين} (الأنفال: 46).
تذكروا كيف أن المسلمين في معركة بدر كانوا قلة، لكن باتحادهم وصبرهم حققوا النصر، حافظوا على وحدتكم، فإنّها الحصن الذي يقيكم من الفشل والانقسام.
العدل ميزان الله في الأرض:
قال الإمام ابن تيمية رحمه الله: “إن الله ينصر الدولة العادلة ولو كانت كافرة، ولا ينصر الدولة الظالمة ولو كانت مسلمة”
اجعلوا العدل أساس حكمكم، وأقيموه على الجميع بلا استثناء، كما فعل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه، حين قال: “الناس صنفان: إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق”
الصبر مفتاح الفرج:
قال الله عز وجل: {وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون} (البقرة: 155-156).
استلهموا من صبر النبي أيوب عليه السلام، الذي ابتُلي بلاءً عظيماً لكنه لم يفقد إيمانه ولا يقينه برحمة الله، فكان عاقبة صبره فرجاً ونصراً.
العلم والإبداع سبيل البناء:
قال الإمام الشافعي رحمه الله: “من أراد الدنيا فعليه بالعلم، ومن أراد الآخرة فعليه بالعلم، ومن أرادهما معاً فعليه بالعلم”.
فركزوا على التعليم، وأعيدوا بناء وطنكم على أساس العلم والابتكار، كما فعل المسلمون في عصر النهضة الإسلامية، حين أضاءوا العالم بإنجازاتهم العلمية في كافة المجالات.
الدعاء للشهداء والمظلومين:
أسأل الله تعالى أن يتقبل شهداءكم الذين قدموا أرواحهم في سبيل الحق، وأن يجعلهم من الذين قال فيهم: {ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتًا، بل أحياء عند ربهم يُرزقون} (آل عمران: 169).
وأرفع أكف الدعاء لكل من سُجن وعُذب لسنوات صابراً محتسباً، فإن الله عز وجل لا ينسى صبرهم وتضحياتهم، كما قال تعالى: {وما كان ربك نسياًً} (مريم: 64).
وأؤكد لكم أن قلوبنا ودعاءنا معكم ومع إخواننا في غزة وكل فلسطين والسودان واليمن وكل بلد مظلوم على وجه الأرض. وكما قال الإمام الحسن البصري رحمه الله:
“اعلموا أن الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد، فإذا ذهب الرأس ذهب الجسد، وإذا ذهب الصبر ذهب الإيمان.”
نسأل الله أن يفرّج كرب كل مظلوم، ويحقن دماء المسلمين، وينصرهم على من عاداهم، وأن يجعل صبركم سبباً لرفع درجاتكم ونصركم القريب، لتعود سوريا قائدة لحضارتنا من جديد.