بقلم: د. ريم عبدالرزاق محمد عبدالرزاق
المقدمة:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الخلق وأفضل المربين، المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
تجسد البنية الإنسانية القويمة الجذوة التي توقد المنابت الحضارية، ولما تبدت البنية الإنسانية بصورة مزدوجة التفاعل والتكوين، ما بين تكوينات معنوية سامية، وتكوينات مادية أرضية، بات لزاماً اكتنافها بالتوجيه والتهذيب الممنهج؛ ليتسنى تحقيق التوازن المدروس بين شطري التكوين الإنساني؛ ما ينعكس تباعاً على حيازتها عن براثن الضعف والقصور، ولا جرم بأن الاضطلاع بالتربية والتوجيه المدروس إنما يفتقر إلى جملة من المعايير والمحكات، والتي تسمو في العملية التربوية لتتبوأ موطن التربية الذكية، من هنا فإن عملية التأهيل والتهيئة للأفراد والمؤسسات التربوية وفق التوجيهات والملامح التربوية الذكية إنما تضبط بالأطر المرجعية الحاكمة، والتي ترصد مساراتها الدينامية في البوتقة المنضبطة، وتُشكل المرجعية الإسلامية؛ برحاها الوحي الإلهي، لا سيما الآيات القرآنية الكريمة، المرجعية السيادية، القادرة على التحكم والضبط المنهجي والتربوي الذكي، فهي البنية التأسيسية الرئيسة التي تستند إليها المناشط التربوية النخبوية.
أولاً: مفهوم التربية الذكية في القرآن الكريم:
تعرف التربية بأنها: “منهجية نظرية وتطبيقية تعمل على إحداث تغييرات إيجابية في طرف معين؛ لتحقيق جملة من الأهداف”[1]، في حين يعرف الذكاء بأنه: “تمام الشيء، فمن ذلك: الذكاة في السن والفهم، وهو تمام السن… وتأويل تمام السن: النهاية في الشباب، فإذا نقص عن ذلك أو زاد فلا يقال له: الذكاء، والذكاء في الفهم: أن يكون فهما تاما سريع القبول”[2].
وعليه تعرف التربية الذكية في القرآن الكريم بأنها: منظومة العمليات المنهجية، المستخلصة من التوجيهات القرآنية، والتي تُعنى بتوجيه الأفراد والجماعات التربوية الإسلامية؛ إلى المواطن السلوكية النخبوية؛ لتأسيس المنظومات التربوية الإسلامية؛ ذات الريادة الحضورية في الدنيا، والقوامة الجزائية في الآخرة.
ثانياً: آليات التربية الذكية في القرآن الكريم
بعد النظر في النصوص القرآنية؛ يمكن بيان أهم آليات التربية الذكية التي تم استنباطها، والتي من شأنها تربية الأبناء تربية ذكية منشودة، وتأتي هذه الآليات على سبيل المثال لا الحصر؛ بحكم طبيعة العمل الاجتهادي البشري.
أولاً: تفعيل المرجعية الإسلامية لحل المشكلات البسيطة والمعقدة:
يُشكل الوحي بشطريه القرآن الكريم والسنة النبوية حجر التكوين الأساس في المنظومة التربوية الإسلامية الذكية ، نظراً لما يحققه من فاعلية في التوجيه والتشذيب الإنساني والحضاري، وعلى المستويات المادية والمعنوية على السواء، وبصورة سريعة ومحكمة، في حين يتجلى الوهن المرجعي في سياقه الوضعي، إزاء غياب القدرة والفاعلية لدى المرجعية الوضعية على تحقيق الانتصارات الريادية الراقية على المستوى الفردي والحضاري، من هنا بات لزاماً على الفرد في المؤسسات الذكية توظيف المرجعية الإسلامية في الرقي بالمنظومة التربوية الذكية، ما يعني ذب المرجعية الوضعية عن القناة التخصصية المتعلقة بالمرجعية الأصلية ذات الوشيجة بالبيئة التربوية الإسلامية الذكية.
ويتجلى ذلك في قصة سيدنا إبراهيم عليه السلام في قوله تعالى: (وَتَٱللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَـٰمَكُم بَعْدَ أَن تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ (57) فَجَعَلَهُمْ جُذَٰذًا إِلَّا كَبِيرًا لَّهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ (58) قَالُوا مَن فَعَلَ هَـٰذَا بِـَٔالِهَتِنَآ إِنَّهُۥ لَمِنَ ٱلظَّـٰلِمِينَ (59) قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُۥٓ إِبْرَٰهِيمُ (60) قَالُوا فَأْتُوا بِهِۦ عَلَىٰٓ أَعْيُنِ ٱلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ (61) قَالُوٓا ءَأَنتَ فَعَلْتَ هَـٰذَا بِـَٔالِهَتِنَا يَـٰٓإِبْرَٰهِيمُ (62) قَالَ بَلْ فَعَلَهُۥ كَبِيرُهُمْ هَـٰذَا فَسْـَٔلُوهُمْ إِن كَانُوا يَنطِقُونَ (63) فَرَجَعُوٓا إِلَىٰٓ أَنفُسِهِمْ فَقَالُوٓا إِنَّكُمْ أَنتُمُ ٱلظَّـٰلِمُونَ (64) ثُمَّ نُكِسُوا عَلَىٰ رُءُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَـٰٓؤُلَآءِ يَنطِقُونَ) (الأنبياء: 57 – 65)، قال ابن عاشور: “وجملة ما هؤلاء ينطقون تفيد تقوي الاتصاف بانعدام النطق…فلما اعترفوا بأن الأصنام لا تستطيع النطق انتهز إبراهيم الفرصة لإرشادهم مفرعاً على اعترافهم بأنها لا تنطق استفهاماً إنكارياً على عبادتهم إياها وزائداً بأن تلك الأصنام لا تنفع ولا تضر.
وجعل عدم استطاعتها النفع والضر ملزوما لعدم النطق لأن النطق هو واسطة الإفهام، ومن لا يستطيع الإفهام تبين أنه معدوم العقل وتوابعه من العلم والإرادة والقدرة”[3]، من هنا فيتجلى أن المرجعية الوضعية لقوم سيدنا إبراهيم عليه السلام والمتجسدة بالأصنام إنما عجزت عن حلّ المشكلة المعروضة أمامها، في حين كانت المرجعية الإسلامية لسيدنا إبراهيم والمتجسدة بالمولى عز وجل هي الأقدر على كشف إشكالية ضعفهم وضعف “المرجعية الصنمية”، وعليه بات لزاماً عكوف الفرد في البيئة التربوية الذكية بالمرجعية الإسلامية؛ فهي صمام الأمان الذي يكفل ذب المغالطات، وحل الإشكالات المعقدة بصورة سريعة ومحكمة للأفراد والمؤسسات التربوية الذكية.
ثانياً: التكيف مع الفرص الارتقائية:
يتسم أبناء المؤسسات التربوية الذكية بقدرتهم على التكيف السريع مع فرص الارتقاء النوعي المتصل بالأداء المؤسسي؛ فإذا ما تبدى فرصة تُساهم في تجويد الأداء الفردي؛ لترتقي به إلى الأداء التكاملي؛ فتبتدر هذه المؤسسة التكيف مع هذه الفرصة؛ شروعاً بالتكيف مع الفرص التي تنعكس على تكاملية الأداء التربوي في خضم المؤسسة الواحدة، فضلاً عن الفرص التي تدعم تكاملية الأداء بين المؤسسات التربوية كافة؛ لينصهر التكيف مع الفرص الارتقائية في مسلك “المنطلق التدعيمي الواحدي” فالارتقاء في العمل التربوي من نمطه الأحادي إلى هيكله الشمولي والتكاملي، إنما ينبثق من منطلق تدعيمي واحد، والمتجسد بخدمة الرسالة الإسلامية، و بثها في المحاضن التربوية الإسلامية بكليتها، ولا جرم بأن المرجعية الإسلامية الشمولية إنما تفرض هذا النمط من التفاعل التكاملي بين أركان المؤسسة التربوية الواحدة، وبين المؤسسات التربوية بكليتها؛ ومن أبجديات القول أن الفرص الارتقائية إنما تتبلور وتتجلى في أنماط وأشكال متمايزة؛ ما بين علاقات إنسانية وظيفية ممتدة؛ تخصب من حضورها وامتداداها في خضم هذه المؤسسات؛ لتسهم في بناء أواصر التواصل بين الأفراد والمؤسسات؛ فضلاً عن محورية الأدوات التربوية الحضارية المادية؛ ذات الوظائف النوعية القادرة على توحيد الصفوف التربوية، والجهود المؤسسية.
ويتجلى ذلك في قوله تعالى: (وَمَثَلُ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ ٱلَّذِى يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَآءً وَنِدَآءً ۚ صُمٌّ بُكْمٌ عُمْىٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ) (البقرة: 171)، قال رضا: ” قالوا: نحن لا نعرف ما أنزل الله، بل نتبع ما ألفينا، أي: وجدنا عليه آباءنا، وهو ما تقلدناه من سادتنا وكبرائنا، وشيوخ علمائنا. لم يخاطب هؤلاء ببطلان ما هم عليه وتشنيعه خطابا لهم بل حكى عنهم حكاية بين فساد مذهبهم فيها، كأنه أنزلهم منزلة من لا يفهم الخطاب ولا يعقل الحجج والدلائل، كما بين ذلك بالتمثيل الآتي. ولو كان للمقلدين قلوب يفقهون بها لكانت هذه الحكاية كافية بأسلوبها لتنفيرهم من التقليد”[4]، وعليه فقد عمد الكافرون إلى التوظيف الأحادي للعمل دون العمد إلى تمتين التواصل بين العقل والسلوك العملي، فقد أعرضوا عن توظيف الفرص المتاحة والمتمثلة بالرسالة الإسلامية لصالح الأداء الذي اضطلعوا به، من هنا فقد كان الأداء المتمخض عنهم أداء أحادي منثلم، وعليه إذا ما رمنا التربية الذكية بصورتها الإسلامية المنشودة تعين العمل على إقامة بنيان العمل التربوي بصورة تكاملية تعاضدية، وذلك عبر ابتدار التفاعل مع الفرص الارتقائية التي تحقق الغاية المتقدمة، ومحاولة استثمارها في خدمة الهدف التعبدي الأم.
ثالثاً: التهيئة المنهجية للتفاعلات الريادية:
ويقصد بالتفاعلات الريادية التناقل الفوري والسريع لمعالم التقدم والابداع بين أفراد البيئات التربوية الذكية، ما يعني ضرورة الإعداد والتحضير والتأهيل المنهجي لها، وبصورة وظيفية فيمكن القول بضرورة إحراز أبناء المؤسسات التربوية الإسلامية جملة من المعايير والمحكات المنهجية، الأمر الذي يذلل السبيل لسرعة تناقل المهارات والتكوينات الريادية بين عموم المنتسبين لهذه المؤسسات، ولعل ذلك يسوق إلى أهمية توفير المؤسسات التربوية الإسلامية للفرص الكافية والقادرة على إحداث “المواجهات الامتصاصية” فيتجلى الأفراد إزاء بعضهم البعض، ما يقود إلى امتصاصهم للسمات الفردية، ذات الطبيعة الريادية المتقدمة.
ويستنبط ذلك من قوله تعالى: (فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍۢ وَأَنبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا ۖ كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا ٱلْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقًا ۖ قَالَ يَـٰمَرْيَمُ أَنَّىٰ لَكِ هَـٰذَا ۖ قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ ۖ إِنَّ ٱللَّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَآءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (37) هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُۥ ۖ قَالَ رَبِّ هَبْ لِى مِن لَّدُنكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً ۖ إِنَّكَ سَمِيعُ ٱلدُّعَآءِ (38) فَنَادَتْهُ ٱلْمَلَـٰٓئِكَةُ وَهُوَ قَآئِمٌ يُصَلِّى فِى ٱلْمِحْرَابِ أَنَّ ٱللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَىٰ مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِّنَ ٱللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِّنَ ٱلصَّـٰلِحِينَ (39) قَالَ رَبِّ أَنَّىٰ يَكُونُ لِى غُلَـٰمٌ وَقَدْ بَلَغَنِىَ ٱلْكِبَرُ وَٱمْرَأَتِى عَاقِرٌ ۖ قَالَ كَذَٰلِكَ ٱللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَآءُ) (آل عمران: 37 – 40)، قال قطب: “تقبلها الله جزاء هذا الإخلاص وهذا التجرد الكامل في النذر وكفلها زكريا وكان رئيس الهيكل اليهودي، وكان الله يفيض عليها من رزقه، حتى ليعجب كافلها وهو نبي من فيض الرزق، ويسألها من أين، وتجيبه من عند الله تعالى، عندئذ تحركت الرغبة في الذرية في نفس زكريا….وجاءت الاستجابة من الله التي لا تتقيد بسن ولا بظرف”[5].
ولا جرم بأن التفاعلات الريادية إنما تتبدى جلية في الموقف النبوي السابق، فالسيدة مريم وسيدنا زكريا عليهما السلام إنما يتبوأن ذات السمات الإيمانية المستخلصة، الأمر الذي انعكس على تحقق التفاعل الريادي بصورته الإيمانية، فسيدنا زكريا عليه السلام يطالع السلوك التزكوي من قبل سيدتنا مريم عليها السلام؛ ليبتدر الامتثال لذات العمل التزكوي السلوكي؛ في محاولة لإحراز العطاءات الإلهية التي سبقته بها سيدتنا مريم عليها السلام.
رابعاً: الاحتواء السريع للتكوينات المستجدة والمحدودة:
ويراد بذلك ضرورة اضطلاع العناصر البشرية في المؤسسات التربوية الذكية بالاحتواء والتقبل الواعي والسريع للتكوينات المادية والبشرية المستجدة والمتغيرة، ويتجسد هذا الاحتواء بسرعة تركيز وتنصيب المعطيات المستجدة والمتغيرة في مواطنها المتساوقة مع إمكاناتها وحدودها الوظيفية، وعليه فتتبوأ المعطيات الأصيلة والعريقة في هذه المؤسسات موطن القيادة والسيادة على المعطيات المستجدة والمحدودة، ولعل ذلك يساهم بصورة جسيمة في ذب “التضخم الوهمي” عن معالم البيئة التربوية الذكية، ذلك أن وضع المعطيات والمتغيرات المحدودة في موضعها المقنن والمناسب، إنما يحول بينها وبين التضخم والتمدد في غير أرضه وأهله، ما يعني أننا أمام بيئة تربوية متسمة بالتنافس والتباري الوظيفي في السياق العلمي المثبت؛ فيتعين على العناصر والتكوينات البشرية إثبات المقومات العملية التي تحوزها؛ بالصورة العلمية غير الاعتباطية؛ ليتسنى لها التقدم والتحكم في البيئة المتقدمة والحكيمة.
ويستنبط ذلك من قوله تعالى: (وَإِذْ قَالَ إِبْرَٰهِيمُ لِأَبِيهِ ءَازَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا ءَالِهَةً ۖ إِنِّىٓ أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِى ضَلَـٰلٍ مُّبِينٍ (74) وَكَذَٰلِكَ نُرِىٓ إِبْرَٰهِيمَ مَلَكُوتَ ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ ٱلْمُوقِنِينَ (75) فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ ٱلَّيْلُ رَءَا كَوْكَبًا ۖ قَالَ هَـٰذَا رَبِّى ۖ فَلَمَّآ أَفَلَ قَالَ لَآ أُحِبُّ ٱلْـَٔافِلِينَ (76) فَلَمَّا رَءَا ٱلْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَـٰذَا رَبِّى ۖ فَلَمَّآ أَفَلَ قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِى رَبِّى لَأَكُونَنَّ مِنَ ٱلْقَوْمِ ٱلضَّآلِّينَ (77) فَلَمَّا رَءَا ٱلشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَـٰذَا رَبِّى هَـٰذَآ أَكْبَرُ ۖ فَلَمَّآ أَفَلَتْ قَالَ يَـٰقَوْمِ إِنِّى بَرِىٓءٌۭ مِّمَّا تُشْرِكُونَ (78) إِنِّى وَجَّهْتُ وَجْهِىَ لِلَّذِى فَطَرَ ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضَ حَنِيفًا ۖ وَمَآ أَنَا مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ) (الأنعام: 74 – 79)، قال الشوكاني: “قال يا قوم إني بريء مما تشركون أي من الأشياء التي تجعلونها شركاء لله وتعبدونها، وما موصولة أو مصدرية، قال بهذا لما ظهر له أن هذه الأشياء مخلوقة لا تنفع ولا تضر مستدلا على ذلك بأفولها الذي هو دليل حدوثها إني وجهت وجهي أي قصدت بعبادتي وتوحيدي الله عز وجل”[6]، وقال البيضاوي: “قال يا قوم إني بريء مما تشركون من الأجرام المحدثة المحتاجة إلى محدث يحدثها ومخصص يخصصها بما تختص به”[7]، وعليه فقد احتوت عقلية سيدنا إبراهيم الاستدلالية الأجرام المحدثة والمحدودة، فقد اضطلع العقل؛ بالاحتواء السريع للأجرام السماوية التي عرضت عليه؛ ذات الإمكانيات والوظائف المحدودة والمتواضعة، من هنا بات لزاماً اكتناف المتغيرات والمعطيات المستجدة بالتكوينات الأصيلة والعريقة القادرة على الاستيعاب السريع لها؛ لتنصيبها في مواقعها المتساوقة مع تكويناتها.
الخاتمة:
يتبين مما تقدم أن التربية الذكية هي أحد أنماط التربية الإسلامية؛ والتي يفتقر إليها اليوم أبناء المؤسسات التربوية الناشئين؛ حيث تُعنى بمنظومة العمليات المنهجية، المستخلصة من التوجيهات القرآنية، والتي تُعنى بتوجيه الأفراد والجماعات التربوية الإسلامية؛ إلى المواطن السلوكية النخبوية؛ لتأسيس المنظومات التربوية الإسلامية؛ ذات الريادة الحضورية في الدنيا، والقوامة الجزائية في الآخرة، وقد نظمت النصوص القرآنية الكثير من الآليات التي تساهم في تركيز أسس التربية الذكية، وكان من أهم هذه الآليات تفعيل المرجعية الإسلامية لحل المشكلات البسيطة والمعقدة، والتكيف مع الفرص الارتقائية، والتهيئة المنهجية للتفاعلات الريادية، والاحتواء السريع للتكوينات المستجدة والمحدودة.
….
- [1] خطاطبة، عدنان مصطفى، مقدمة في علم أصول التربية الإسلامية، الأردن، عالم الكتب الحديثة، ط 1، 2019، ص 111.
- [2] أبو منصور، محمد بن أحمد، تهذيب اللغة، تحقيق: محمد مرعب، بيروت، دار إحياء التراث العربي، ط1، 2008م.ج 10، ص 184.
- [3] ابن عاشور، محمد الطاهر بن محمد، التحرير والتنوير: مرجع سابق، ج 17، ص 104.
- [4] رضا، محمد رشيد، تفسير المنار: مرجع سابق، ج 2، ص 72
- [5] قطب، سيد، في ظلال القرآن، القاهرة، دار الشروق، 1968م، ط32، ج 3، ص 392-393.
- [6] الشوكاني، محمد بن علي، فتح القدير: مرجع سابق، ج 2، ص 153.
- [7] البيضاوي، عبد الله بن عمر، أنوار التنزيل وأسرار التأويل: مرجع سابق، ج 2، ص 169.