بقلم: أ. حازم حداد
عصرنا اليوم ليس كغيره من العصور، والعلوم والمعارف اليوم صارت أضعاف العلوم والمعارف التي كانت شائعة في القديم، بل إنّ الحضارة اليوم هي دائمة التجديد والإنتاج في ميادين العلم والبحث العلميّ.
والمتأمّل لواقعنا اليوم يجد الأحداث في تسارع كبير، وهذا التسارع يتطلّب من الواحد منا جهداً مضاعفاً لإدراك الواقع وفهمه، فضلاً عن التعامل معه والحكم عليه.
ماذا يعني هذا كلّه؟ هذا يعني بالدرجة الأولى اتّساع حجم الفجوة بين إدراكنا المعرفيّ وبين حقيقة الواقع، بين علومنا ومعارفنا وبين التطوّر العلميّ المستمرّ.
نحن اليوم مدعوّون إلى مزيد من التعلّم والاطلاع، وإلى مزيد من الانفتاح على الواقع حتّى نستطيع إدراك ركب الحضارة فضلاً عن مجاراتها.
وحتّى نتيح لأنفسنا المزيد من التعلّم والاطلاع، يجب علينا القيام بعدّة أمور:
أهمّها: القراءة المستمرّة.
نعم يا سادة، إنّ القراءة من أبرز مفاتيح العلم وطرقه، القراءة هي الجسر الواصل بين العلماء والمفكرين وبين المثقّفين وصنّاع الرأي، القراءة تمثّل همزة الوصل بين شرائح المجتمع المختلفة.
ولا أبالغ حين أقول: نستطيع أن نعرف مقدار تحضّر مجتمع ما بقياس كميّة ما يقرؤون، وكيفية استفادتهم ممّا يقرؤون.
ولكن لأحدهم أن يسأل: ماذا أقرأ في ظلّ الانتاج العلميّ الهائل والثورة المعرفيّة العارمة؟
بل: كيف أقرأ؟ ومن أين لي الوقت الكافي للقراءة؟
نعم إنّ مقدار الانتاج العلميّ كبير، هناك الكثير من المقالات والأبحاث والكتب في كل المجالات تقريباً.
لكنّني لا أطالب أن يقرأ الإنسان كلَّ شيء، في المجالات والتخصّصات كلّها، فلا أظنّ أنَّ إنساناً يستطيع القيام بذلك.
لكن إذا ما وضع المرء لنفسه برنامجاَ مركّزاً في معرفة ماذا يقرأ، يمكن له أن يكون دائم الاطلاع، متجدّد المعرفة بشكل جيد.
يمكن للمرء أن يركّز ويكثّف القراءة في مجال تخصّصه إلى حدّ 60 % من مجمل قراءته واطلاعه، ويجعل 15 % من قراءته للتفقّه والتعلّم في أمور دينه، و15 % من قراءته في شتّى مجالات اهتماماته.
وبهذه الخطّة يستطيع أن يتقن مجال تخصّصه، مع الاستمراريّة في القراءة، ولا يحرم نفسه من الاطلاع على المعارف التي تشغل اهتمامه، كما أنّه لا يقصّر في قراءته الدينيّة من تفسير وسيرة وغيرها.
وقبل كلّ شيء القراءة التي لا يدانيها شيء هي قراءة القرآن الكريم، القراءة التي يكون فيها للمرء أجر وفائدة وعلم ومعرفة.
إنَّ فهمنا واستفادتنا بما نقرأ مرهون بطريقة قراءتنا وكيفيّتها، فكلّما كنّا نتمتّع بكيفية ممتازة زاد فهمنا لما نقرأ واستفدنا من القراءة.
ويذكر لنا الدكتور طارق السويدان طريقة جيّدة لكيفية قراءة الكتب الثقافية والفكريّة.. توفر لنا الوقت والجهد، ولكنّها تتطلّب تركيزاً جيّداً.
حيث يقول: هناك طريقة أطلق عليها اسم: الهمزات الخمس لقراءة الكتب الفكرية والثقافية والاستفادة منها في وقت أقلّ، وفائدة أكبر.
الهمزة الأولى:
وهي كلمة: (استعرض، أو استكشف): والمقصود هي استعرض المقدّمة والخاتمة وفهرس الموضوعات، وتصفّح الكتاب محاولاً أن تفهم المعنى العامّ.
الهمزة الثانية:
اسأل: اسأل نفسك، وسجّل الأسئلة التي تدور في ذهنك حول الكتاب الذي تريد أن تقرأه.
الهمزة الثالثة:
اقرأ: الآن اقرأ جواب الأسئلة التي تهمّك من الكتاب وركّز عليها.
الهمزة الرابعة:
أجب: سمّع جواب الأسئلة التي تهمّك، من فهمك وحفظك لما قرأت.
الهمزة الخامسة:
إقرأ مرّة ثانية: أعد قراءة الأجوبة التي لم تستطيع تذكرّها عند الإجابة عن الأسئلة المهمّة بالنسبة إليك.
وحتّى نستفيد من القراءة بشكل أفضل، من الجيّد أن نفكّر فيما نقرأ من خلال محاكمة المعلومات عقليّاً.
والتي هي في الغالب إحدى ثلاث:
- معلومات متوافقة مع ما لدينا من معرفة، فتعزّزها وتقوّيها، ونحاول أن نضرب لها أمثلة أخرى وأدلّة أخرى بعد فهمها ومحاولة نقدها.
- معلومات مخالفة لما لدينا من معرفة، فهي تستفزّ قدارتنا العقليّة في فهمها واستيعابها ونقدها، ثمّ الحكم عليها بالصحّة أو البطلان، فإمّا أن تزول أو تتحوّل هي إلى معرفة، ونزيل من عقولنا المعرفة القديمة.
- معلومات جديدة علينا، غير مطروقة في أذهاننا، فواجبنا نحوها أن نفهمها ثمّ نحاول نقدها ونحكم عليها، فإمّا أن نضيفها إلى رصيدنا المعرفيّ أو نلغيها من أذهاننا.
وكذلك نستطيع الاستفادة من القراءة من خلال تلخيص أهمّ المعلومات والأفكار التي قرأناها، فإنّ القراءة الجيّدة هي التي تحّفز صاحبها على الكتابة.
وبقي السؤال الآن: كيف نستطيع توفير وقت للقراءة؟
وللجواب عن هذا السؤال: من المفيد لنا أن نتساءل: كيف نقضي أوقاتنا من غير قراءة؟
ويمكن للإنسان أن يتفكّر ويتذكّر كيف أمضى أسبوعه الماضي؟ ويقّدر الأوقات التي كان يمكن أن يستثمرها أكثر؟ وكم الأوقات التي ضاعت منه؟
واعذروني حين أقول: يمكن للإنسان أن يوفّر الوقت لنفسه إن أراد هو ذلك، لكن الأمر يحتاج إلى أرادة صادقة وعزيمة قويّة.
ويمكن أن نقوّي إرادتنا لو وضعنا أهدافاً وغايات لحياتنا، وخطّطنا لها وصمّمنا على تنفيذ هذه الخطط.
وعندها من الممكن أن نعثر على أوقات جيدة، ونخفّف الكثير من الأعمال التي لا داعي لها، بل نلغيها، لأنّنا كشفنا أنَّها تهدر الكثير من أوقاتنا، بلا جدوى.
وهنا سيكون من المفيد لنا حينئذ تخصيص وقت محدّد للقراءة يوميّاّ، ولا أظنّ أنّ هذا الوقت يستطيع أحد أن يحدّده بدقّة غير الشخص ذاته، فهو أدرى بحياته وبساعات نشاطه، وأوقات توقّد فكره وذكائه.
فإذا عرف الإنسان ساعته الذهبية -حصّة من الزمن يكون نشاط الإنسان خلالها مرتفعاً، والتركيز لديه شديداً- استطاع أن يخصّصها للقراءة والمعرفة.
وطبعاً لست أدّعي استيعاب جوانب موضوع هامّ مثل القراءة في هذه الكلمات البسيطة..
فهناك الكثير من الطرق والوسائل للاستفادة من القراءة، وهناك أنواع للقراءة عديدية.
غير أنّه يكفيني أن أنّبه إلى عظم أهميّة القراءة، وذكر بعض الخطوات العمليّة في تفعليها لتغذية فكرنا وإداركنا.
ويسرّني أن أختم كلامي ببعض النصائح حول القراءة:
- أن تكون القراءة مستمرّة، ويوميّة.
- أن يتبعها قدر كاف من التفكير لاستيعاب ما تمّ قراءته.
- محاولة تلخيص أهمّ الأفكار والمعلومات التي تمّت قراءتها.
- محاولة ربط الأفكار الجديدة بالمخزون المعرفيّ الذي تمتلكه مسبقاً.
- ضرب أمثلة جديدة، أو جلب أدلّة جديدة، للأفكار المقبولة.
- نقد الأفكار غير المقبولة بشكل موضوعيّ، وذلك ببيان نقاط القوّة والضعف فيها.
….
- المصدر: موقع رابطة العلماء السوريين
- 2020/09/23