بقلم: د. حذيفة عكاش
الناس تجرّب الإسلاميين عندما يحكمون: فعلى الإسلاميين أن ييسِّروا ولا يعسِّروا ويبشروا ولا ينفِّروا. يجب أن نكون (نحن الإسلاميون) متحمّسين لرحمة الناس، وإخراجهم من الظلم والاستبداد، متشوّقين لخدمة الناس وتأمين متطلبات حياتهم وراحتهم.. بغض النظر عن انتمائهم الديني والمذهبي.. وحذارِ أن يشعر الناس أنّنا متحمّسون للتحكُّم بهم، واستعبادهم وقهرهم باسم الدين.
شعوبنا تعبت ممن يتحكّم بها، وتتشوَّق لمن يخدِمها ويسهر على مصالحها، ويحترم كرامتها وإرادتها.. وإنسانيتها قبل كلّ شيء.. فغالب الناس تريد الحياة الكريمة بغض النظر عمن يحكمها: ليبرالي اشتراكي إسلامي علماني لا يهمّ.. المهم أن يترك لهم كامل حرية التديُّن أو عدم التديّن..
فأهم مطالب الشعوب من حكوماتها:
- الأمن والاستقرار..
- الحرية وتشمل حرية الاعتقاد وحرية التديّن والعبادة، وحرية الاجتماع والتنظيم وحرية الانتماء السياسي، وحرية التعبير والإعلام..
- العدالة بين الناس كمواطنين متساوين في الحقوق والواجبات أمام القانون..
- الشفافية ومكافحة الفساد، وتحقيق الازدهار الاقتصادي..
- احترام مبادئ الشعب وقيمه ودينه.. وأيٌ من هذه المطالب انعدم.. تنعدمُ معه ثقةُ الشعب ورضاه عن الحكومة التي تَحكمُه..
وهذا كله من تطبيق الشريعة الإسلامية ومن مقاصد الدين وأهدافه الرئيسة التي جاء الكتاب والسنة لحفظها ورعايتها:
فأولها: حفظ دين الناس وذلك برعاية حرية التديّن..
ثانيها: حفظ نفوسهم بتأمين الاستقرار والأمن والأنظمة الصحية والقانونية، والمواصلات البرية والبحرية والجوية..
ثالثها: حفظ عقولهم بالأنظمة التعليمية لكل المراحل، وتطوير البحث العلمي..
رابعها: حفظ النسيج الاجتماعي والسِّلْم الأهلي ورعاية الأسرة وتنشئة الأجيال على الأخلاق الفاضلة..
خامسها: حفظ مالهم بتأمين الوظائف وفرص العمل ومنع السرقة والظُلم والغِش، وكل أنواع الفساد..
مشكلتنا أننا لم ننتبه أن الزمان تغيّر وأصبحت واجبات الدولة الحديثة كثيرة، وليست كالدولة القديمة البسيطة، حيث كان المجتمع يقوم بأغلب متطلباته وحاجاته، ويقتصر دور الدولة القديمة على ضبط الأمن الداخلي والخارجي وهو منع اعتداء الناس على بعضهم داخلياً، ومنع العدوان الخارجي على الدولة..
بينما الدولة المعاصرة من واجباتها تأمين الطاقة الكهربائية والمحروقات والماء والاتصالات والإنترنت وشقّ الطرق وبناء الموانئ والمطارات، والتعليم بكل مراحله، والبحث العلمي، والصحة بكل مؤسساتها، وتأمين الغذاء، والدواء، ورعاية التجارة والصناعة والزراعة والسياحة، وحماية الأمن الداخلي والخارجي عبر أجهزة الأمن، وبناء الجيوش، والتحالفات، وإنشاء العلاقات الجيدة مع دول الجوار والقوى الإقليمية والدولية، كل هذا يحتاج مؤسسات ومشاريع، وكوادر تخطِّط لذلك وتنفِّذه وتطوِّره.. وكل مفردة من هذه المفردات تحتاج إلى وَزارة أو أكثر..
وهذا ما ينوء بحَمْلِه حزبٌ أو تيار واحد!! وإنما بحشد كوادر ونخب المجتمع كلّه بكلّ تياراته وانتماءاته!! فيأتي بعض الإسلاميين للحكم وفي مخيلتهم ملف واحد فقط وهو تطبيق قانون العقوبات بقطع يد السارق وجلد الزاني والإلزام بالحجاب واللحية!! يجب علينا قبل أن نفكّر بقطع يد السارق أن نوفِّر المشاريع والوظائف وفرص العمل حتى يستغني الناس!
وقبل جَلْد الزاني علينا تسهيل سبل الزواج والاستعفاف.. فكثير من الجرائم والانحرافات الخُلقية سببها الرئيس الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية المتدهورة.. فبدلاً من التركيز على أعراض المرض علينا التركيز على علاج الأسباب.. فالإسلام جاء لإسعاد الناس في الدارين: في الدنيا والآخرة.. أما فرض الدين ومظاهر التديّن على الناس فليس من اختصاص الدولة المعاصرة، قال تعالى: “لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ” (البقرة: 256) وقال سبحانه: “فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ” (الزمر: 2) والإسلامُ يكرَه النفاق.
فالدولة تحمي الدين وترعاه بتوجّهاتها العامة عبر التعليم والإعلام والثقافة ولا تفرضه فرضاً، حتى لا ينفِر الناس.. يعني ترعى الدولة الدعاة والعلماء والخطباء والمربين بتأمين حرية الدعوة لهم كما تخدم الدين عبر المؤسسات التربوية والتعليمية والدعوية والإعلامية.. والمطلوب من الدولة رعاية الدِّين بشكل عام وعدم السماح بمعاداته، دون تدخّل بحياة الناس الخاصة.. وتتفرَّغ الدولة للقيام بمصالح البلاد والعباد. وأما السلوك الديني الشخصي الذي ليس فيه إضرار بالغير، فيُترك للدعاة يدعون له بالحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن.
أما قضية التشريعات الإسلامية والقوانين، فتكون بالتدرّج حسب قابلية الشعب واستطاعته، وقياس ذلك يكون عبر مجلس التشريع، حيث يمرّر (النوّاب المسلمون المنتخَبون) قراراتِ تحكيم الشريعة (بعد أن يُقنعوا بها الشعب).. فيكون الشعب هو من يختار شريعة ربه فيخضع لها مختاراً طائعاً.. فالشعب المؤمِن هو من يُحَكِّم الشريعة، قال تعالى: “فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا” (النساء: 65)
وعند التصويت لتحكيم الشريعة: مَنْ يصوّت لها من النُّوّابِ رفع الإثم عن نفسه وعمن انتخبه، ومن رفض وقع في الإثم هو ومن انتخبه (إن كان يعرف توجّهه هذا) ولو كانت غالبية مجلس النوَّاب الذين يمثّلون الشعب تمثيلا حقيقياً ضدَّ الشريعة فهذا يعني أننا مقصّرون في دعوة شعوبنا وإقناعهم.. وأنهم غير مهيئين بعد لشريعة الله تعالى.
“ولنفرض فرضاً أن شيئاً من المخاوف قد وقع وظهر بديمقراطيةٍ حقيقيةٍ أن غالبية المسلمين في قطر من الأقطار قد اختاروا ما يتنافى مع الإسلام وما يعدّ خروجاً عن الإسلام، فهل العيب في الديمقراطية أم العيب في الواقع القائم؟ فليست الديمقراطية هي التي أتتنا بهذا العيب، وإنما الديمقراطية كشفت لنا هذا العيب، فهذا سبب لشكر الديمقراطية والتمسّك بها وليس سبباً لرفضها والقدح فيها واتهامها” (ينظر: الشورى في معركة البناء، د.أحمد الريسوني، 170).
والله من وراء القصد
….
- المصدر: موقع مدونات الجزيرة
- 2018/04/10