أ. خالد بن علي
كاتب وإعلامي - تشاد
تتميز الجيرة بين تشاد والسودان بتداخل التركيبة السكانية قبل رسم الحدود، كما استمرت الهجرات والاستيطان بعد رسم الحدود، لا سيما في مناطق شرق تشاد وغرب السودان.
وهذه سمة أغلب الدول الإفريقية، وعموم المجتمعات القبلية التي تجذرت وتعمّقت لدرجة تجاوُز الحدود الدولية.
فالقبائل العربية من البقارة (رعاة الغنم) والأبالة (رعاة الإبل)، والقرويين منهم والتجار، يمارسون نشاطاتهم الحياتية في مناطق تشاد والسودان، ويصعب حصرهم في حدود معينة وجنسية واحدة.
وقبائل الزغاوة التي ينحدر منها الرئيس السابق إدريس ديبي ونجله الرئيس الانتقالي الحالي محمد إدريس، يعيش جزء منهم في دارفور متمركزين في مدينة الفاشر، والبعض الآخر يتوزعون في باقي مدن السودان، كما يتمركزون في مدينة أم جرس شمال شرق تشاد والأجزاء القريبة منها.
ومن القبائل المشتركة بين البلدين، قبائل المساليت التي تسكن غرب دارفور (مدينة الجنينة) وشرق تشاد (مدينة أدري)، وقبائل المبا التي حكمت سلطنة وداي الإسلامية، وعاصمتها مدينة أبشة شرق تشاد، إضافة إلى قبائل الداجو والتاما.
كما أن هناك قبائل تشادية أخرى كالقرعان والكانمبو، هاجرت إلى السودان قبل الاستقلال وبعده، بأعداد كبيرة وانصهرت في المجتمع السوداني.
ويعيش في تشاد عدد لا بأس به من السودانيين الذين يعملون في مجالات الدراسة والتعليم والصحة والتجارة.
لم تتمكن السياسة في البلدين من توظيف هذا التداخل إيجابياً، فقضايا هؤلاء السكان ومعاناتهم ومناطقهم المهمشة، يتم توظيفها في مصالح سياسية، حتى أصبح المواطن في كثير من الأحيان يوالي الحركات المسلحة أكثر من دولته.
ومنذ قيام جبهة التحرير الوطني التشادي واتخاذها مدينة نيالا السودانية مركزاً لانطلاقها في 1966، كانت الأراضي السودانية قاعدة لتحرك الثورات التشادية، حيث زحف الرئيس الأسبق حسين حبري من الشرق، وتبعه إدريس ديبي الذي انقلب عليه، ثم توالت الهجمات التي انطلقت من السودان بدعم من السلطات السودانية، لا سيما أحداث 2 فبراير 2008، التي دخل على إثرها المعارض محمد نوري إلى العاصمة انجمينا وحاصر القصر الرئاسي، قبل انسحابه واستجماع ديبي لقوته.
وكانت الحكومة التشادية تقف بجانب الحركات المسلحة في دارفور، والتي يواجهها السودان بالقمع مستعيناً بحركات مثلها، تطورت مع الزمن وأخذت شرعيتها في الدولة، بل ونازعت حتى على السلطة.
التفرد بالسلطة والاستحواذ على الثروات وعدم التفاهم بين الحكومات والحركات المسلحة والتدخلات الخارجية، عوامل أدت إلى تنافر سياسي بين البلدين، رغم تغير رؤوس الحكم في البلدين.
ومع الأحداث الأخيرة التي تجري في السودان، ساءت العلاقة كثيراً، حيث يستند السودان على أدلة جمعها حول دعم الحكومة التشادية لقوات الدعم السريع، ومن جانبه اتهم وزير الخارجية التشادي حكومة السودان التي تتخذ من بورتسودان عاصمة إدارية بالتورط في رعاية ثورة مسلحة تسعى لقلب النظام في تشاد.
وأدى هذا التنافر السياسي إلى عرقلة استمثار التقارب الديموغرافي، المتمثل في المشاريع التعليمية والصحية والتجارية.
والمؤسف في الأمر أن العلاقات السياسية بين البلدين تعود إلى صفائها بين عشية وضحاها، إلا أن المتضررين من التعبئة والتأنيب بحاجة إلى زمن طويل لتقبل الآخر، وتفهم الموقف.
اقرأ أيضا:
ضياع الهوية واللغة… مخاطر تهدد أبناء اللاجئين
….