أ.د عبد الكريم بكار
مقالة تبرز أهمية التربية في تحويل المعرفة إلى ثقافة، تعرف على كيفية ترسيخ ثقافة العمل الخيري من خلال تحفيز المبادرات الفردية، وبث روح التفاؤل، وحث الشباب على تجربة العطاء
عن العمل الخيري
عند الحديث عن العمل الخيري نجد إن من الواضح أن التحدي الذي يواجهنا على صعيد تطوير ثقافة الأفراد والمجتمعات هو بلورة الأفكار والرؤى الجيدة، ثم القيام بنشرها وترسيخها في الدوائر الاجتماعية المختلفة، ولا يعادل في الحقيقة صواب الفكرة سوى إمكانية نشرها وتطبيقها، وإن من الواضح أن تحويل الأفكار والمفاهيم والفضائل إلى عادات سلوكية يحتاج إلى تربية جيدة لأن التربية هي وحدها التي في إمكانها تحويل المعرفة إلى ثقافة.
أساليب ترسيخ العمل الخيري
وإن من نظم وآليات وأساليب ترسيخ وتعميم العمل الخيري تحفيز المبادرة الفردية، حيث سيظل العمل التطوعي قائماً على:
- رغبة الفرد في الإسهام في مساعدة العناصر الضعيفة في المجتمع
- وفي جعل الأرض والبيئة أفضل ملائمة للحياة الطيبة
لكنّ النَّاس كثيراً ما يغفلون عن دورهم الحضاري والاجتماعي ولهذا فإنهم يحتاجون إلى من يرغبهم في عمل الخير، ويوضح لهم إيجابياته.
وأود في هذا السياق أن أشير إلى أمرين:
الأول:
بث روح التفاؤل بإمكان حصول التقدم والازدهار من خلال الكثير من المبادرات الصغيرة.
إن التجربة المريرة التي مرت بها الأمة في عصور الانحطاط جعلت النَّاس لا يقيمون أي وزن للأنشطة والأعمال الخيرية والإيجابية الصغيرة، وجعلت أبصارهم تتعلق بالمنقذين الكبار، وبالأعمال الضخمة، وقد كان هذا من أسوأ الآثار التي تركها التخلف الحضاري في عقول النَّاس ونفوسهم.
إن من المهم أن نوضح للنَّاس كافة أن زمان الأبطال العظام الذين يغيّرون مسيرة التاريخ قد انتهى، وجاء زمان الملايين من الأبطال الصغار الذين :
- يقدّمون نماذج محليّةً ناجحة
- ويسدّون الثغرات الصغيرة
- وينجحون في وظائفهم وأعمالهم ومشروعاتهم
وإن في إمكان معظم النَّاس أن يكونوا كذلك إن أحبوا، ومن خلال تراكم جهودهم وعطاءاتهم المحدودة تتغير فعلاً مسحة الحي.
إن كثيراً من الناس يعملون وفق رؤية ملخصها: ( ما نريده ليس ممكناً، وما هو ممكن لا نريده )
والنَّتيجة لذلك هي: تمتّعهم بإجازةٍ مفتوحة!
نحن نريد أن نقول للنَّاس:
- إن ابتسامةً في وجه شخصٍ
- ودلالة آخر على الطريق
- ومساعدة ثالث في شراء شيء جيد
إن كل ذلك يشكل إضافات اجتماعية مقدّرة تماماً، كما يحدث حين نضيف قطرة ماء إلى بركة في فناء المنزل، إنها على صغرها ترفع مستوى الماء، كما أنّ إزاحة حجرٍ من بين ألف حجر من طريق النَّاس تجعل السير فيه أسهل.
الأمر الثاني:
حثّ الشباب على أن يجرّبوا نوعاً جديداً من المتعة والابتهاج ومسرات الروح.
والحقيقة أننا حين نكون صغاراً نظن أن السعادة في الأخذ فإذا كبرنا اكتشفنا أن السعادة في العطاء
وإن الإنسان النبيل يشعر بارتياح بالغ حين يجد أنّ من حوله سعداء ومسرورون، إن الخدمة التي نقدمها لمن حولنا مثل العمل الخيري تجعل لحياتنا معنى، وتجعلنا نشعر بالأمان والاستبشار بموعود الله تعالى للمحسنين.
لا يمكن للفرد الحصول على تقدم شخصي في وسطٍ منهار، كما لا يمكن للمسلم أن يجعل من بيته جزيرة معزولة عن بلدة تعيش في بحر من المآسي والآلام، والروح الإسلامية عموماً تأبى أن تغرّد فوق هضاب الشقاء.
أقرأ أيضا:
حاجتنا إلى قيم الجمال لتخليق فضاءاتنا العامة
محاور للتربية الاجتماعيّة
إكسير حيوية الشهود الحضاري للأمة
….